ما الذي يحدث في المنطقة الشرقية في الممكلة العربية السعودية؟ لقد نجحت الأمبراطورية الإعلامية التي تمتكلها المملكة، بالتعاون مع جهازها الأمني، في منع وصول أخبار التطورات في القطيف إلى العالم إلى حد بعيد. كما لجأ النظام السعودي إلى حملة مضادة للثورة متعددة الاتجاهات لقمع الانتفاضة في العام الماضي. وعلى الرغم من محاولات شراء شخصيات سياسية ودينية، وممارسة ضغوط اقتصادية على المدنيين، وفرض الحصار على القطيف وجوارها، واستعمال الذخيرة الحية لتفريق المتظاهرين، بقي الثوار في القطيف صامدين في نضالهم ضد الطغيان والاستبداد. في المقابلة التالية، يصف منظمو "صفحة ثورة المنطقة الشرقية على الفيسبوك" دورهم في تنظيم الاحتجاجات عبر وسائل الإعلام الاجتماعية وأهداف ثورتهم والتحديات المتعددة التي تواجههم.
١.روزي بشير: من أنتم؟ وكيف بدأتم وكيف تصفون أنفسكم؟ وهل ترتبط صفحة "ثورة المنطقة الشرقية" على التوتير والفيسبوك بالحركة الشعبية الناشطة في الشارع؟ وما الذي حفزكم على التحرك؟
ثورة المنطقة الشرقية: نحن مجموعة شبابية سياسية تسعى لإقامة نظام حكم إنتخابي شوري يمثل إرادة الشعب وإنهاء الحكم الإستبدادي، وذلك عبر تنظيم أنشطة وفعاليات ثورية وحقوقية ومطلبية في الشارع إلى جانب النشاط الإعلامي الداعم. وشهدت القطيف أول تحرك ميداني على الأرض من خلال مسيرة في بلدة العوامية يوم الخميس الموافق ١٧ فبراير ٢٠١١، للمطالبة بإطلاق سراح سجناء الرأي. وحصل هذا التحرك بالتزامن مع ولادة "حركة شباب الأحرار" و"حركة أحرار الكرامة." بعيد ذلك تطورت التحركات الميدانية المتفرقة في القطيف بولادة حركة "يوم الغضب القطيفي لفك أسر المعتقلين المنسيين" و"الحركة الشبابية للإصلاح" وبلغت الاحتجاجات ذروتها في شهر مارس ٢٠١١.
في ظل هذه الأجواء الساخنة، ولدت "ثورة المنطقة الشرقية." وبدأت نشاطها الإلكتروني يوم الخميس الموافق ٣ مارس ٢٠١١ ، بهدف توفير التغطية الإعلامية للنشاطات التي تقوم بها الحركات والتنظيمات المذكورة آنفاً. وسرعان ما بدأت تلعب دور "المنسق" لتلك الجماعات.
أخيراً قررت المجموعات والحركات المنظمة للحراك في المنطقة إنشاء كيان نظامي مُعلن يجمعها تحت سقف واحد، فتقرر إنشاء "إئتلاف الحرية والعدالة" وأصبحت "ثورة المنطقة الشرقية" عضواً في هذا الإئتلاف. الناشطون المسؤولون عن تنظيم فعاليات الحراك هم عبارة عن مجموعات وحركات من مناطق مختلفة، فهناك مجموعة من القطيف وتاروت وصفوى والعوامية والقديح وسيهات ... إلخ. تجتمع تلك المجموعات وتتشاور لإصدار "جدول الفعاليات." ويصدر هذا الجدول وينشر في صفحات الفيسبوك التابعة لهذه المجموعات، ولكنه لا يحمل توقيع أي جهة، ولا توجد أية جهة معلنة تتبنى هذه الفعاليات. فتقرر إنشاء "إئتلاف الحرية والعدالة" الذي يجمع شباب الحراك تحت سقف واحد بشكل نظامي ورسمي ومعلن.
٢. روزي بشير: ماهي أهدافكم القريبة المدى؟ وما هي أهدافكم البعيدة المدى؟ وما هي مطالبكم؟
ثورة المنطقة الشرقية: هدفنا وقضيتنا المركزية الأساس التي نعمل من أجلها هي إقامة حكومة منتخبة تمثل إرادة الشعب عبر المؤسسات الدستورية المتعارف عليها في كل دول العالم. وتتضمن أهدافنا القريبة المدى بناء القاعدة التي من خلالها يتم الانطلاق لتحقيق ذلك الهدف الأساس، وقد نجحنا إلى حد كبير في هذا المجال.
عندما رسمنا الهدف الذي نسعى إلى الوصول إليه، كان لابد لنا من توفير الأدوات المساعدة للوصول إلى ذلك الهدف وكذلك توفير الأدوات اللازمة لما بعد الوصول إليه، وإلا فسيكون عملنا عبثاً ومتجهاً نحو المجهول. فنحن بحاجة ،أولاً، إلى توعية الناس بقضيتهم، ثم علينا كسر حاجز الخوف لديهم وإسقاط هيبة الدولة حتى يتمكنوا من مقارعتها. وحققنا هذه الخطوة الأولى بنجاح تام.
ونحن في ملعب سياسي، وبالتالي فنحن بحاجة لفريق سياسي قادر على خوض هذه المعركة، خصوصاً إننا نواجه دولة بوليسية قمعية مدعومة من الولايات المتحدة تمتلك أكبر إمبراطورية إعلامية في المنطقة. ونجحنا في تحقيق هذا الجانب إلى حد كبير. فلدينا الآن علماء دين كبار وسياسيون بارزون ومثقفون وغيرهم. وهم على أهبة الإستعداد للتصدي لأي مرحلة مقبلة. وهناك أمور أخرى مهمة تتعلق بطبيعة العمل من خلف الكواليس لا يمكن كشفها.
٣. روزي بشير: من الذين يقدم لكم المساندة، علماً انكم تتمتعون بدعم معظم السكان في القطيف، ولكن البعض لا يتفق مع الاساليب التي يستعملها الشباب؟
ثورة المنطقة الشرقية: هناك مساندة عامة من قبل مختلف الأطياف في المجتمع: من رجال دين وحقوقيين وشرائح متنوعة. كما للنساء دور في النشاط و التنظيم. في مراسم تشييع الشهداء، كان الشعار الأبرز، لأكثر من مئة ألف مواطن، هو "الموت لآل سعود" و"يسقط نايف" و"يسقط محمد بن فهد." وهذا هو الإستفتاء الشعبي الحقيقي على "شرعية النظام" وشرعية ما كان يسعى لأجله الشهداء. وأما الأضرار التي لحقت بالناس من قبل النظام مثل فصلهم من وظائفهم وإهانتهم في الحواجز العسكرية، فهذا له جانبين، جانب يكشف لنا حقيقة أن النظام يحكم بغير ما أنزل الله فيعاقب إنسان بجرم إنسان آخر. والجانب الآخر، فهو أن الحرية والحقوق لن تأتيا مجاناً على طبق من ذهب، فلا بد من التضحية.
٤. روزي بشير: هل تتبعون قادة سياسيين أو دينيين معينين في القطيف؟ وما طبيعة الخلافات بين الشباب وبعض رجال الدين؟
ثورة المنطقة الشرقية: قادة الحراك هم من تشاهدونهم على الأرض في مختلف التظاهرات والفعاليات. بعضهم استشهد، والبعض الآخر أصبح مطلوباً ومطارداً، وهناك من هو معتقل أو جريح في المستشفى. أما الشخصيات الدينية مثل سماحة آية الله الفقيه الشيخ نمر النمر، والشخصيات السياسية في الداخل أو تلك المعارضة في الخارج، فإن دورهم في الحراك لا يتعدى دور "المستشار." وبفضل هؤلاء "المستشارين" فإن الحراك استطاع الصمود والبقاء والثبات لأكثر من عام في وجه أعتى نظام حكم بوليسي قمعي في المنطقة. وبفضل "استشاراتهم" القيمة، فالحراك يسير بخطى ثابتة ومدروسة نحو النصر.
بالنسبة للجزء الثاني من السؤال، هناك نوعان من رجال الدين المعارضين للحراك:
١- جماعة ترفض المظاهرات، ولكنها في الوقت نفسه لا تعترض طريق المتظاهرين (بمعنى أنا لا أتفق معك ولكنني لا أقف في طريقك). ولم تصبح هذه الجماعة جسراً يمتطيه النظام لضرب المتظاهرين وقمعهم. فهي عبّرت عن رأيها واحترمت رأي غيرها، وهؤلاء محل احترام وتقدير، فالتظاهر ليس واجباً، كما أنه مجرد وسيلة وليس غاية.
٢- جماعة ترفض المظاهرات، وفي الوقت نفسه تدخل في صدام وحرب مع المتظاهرين لدرجة وصفهم بالشرذمة والخارجين عن الدين (بمعنى من ليس معي فهو ضدي ). وهذه الجماعة تتعاون مع النظام لقتل المتظاهرين وقمعهم وإعتقالهم. وهؤلاء نعتبرهم "هم والنظام سواء،" وما ينطبق على النظام ينطبق عليهم لأنهم جزء منه.
٥. روزي بشير: هل للحركة الراهنة أي علاقات مع حركات تاريخية أخرى في القطيف، مثل انتفاضة القطيف عام ١٩٧٩ وغيرها؟ هل تعتقدون أن انتفاضة ١٩٧٩ نجحت أم فشلت؟ وهل تعلمتم أي دروس من خلال القراءة عن تلك التجربة أو من خلال المشاركة فيها والتي تطبقونها الآن؟
ثورة المنطقة الشرقية: انتفاضة ١٩٧٩ كانت عبارة عن محطة واحدة من أصل محطات في طريق النضال ضد آل سعود. وبوصولنا إلى المحطة التالية عام ٢٠١١، نعرف أننا انتصرنا في المحطة السابقة. فلو كنا فشلنا في المحطة السابقة، لما وصلنا إلى المحطة التالية. نعم نحن نتعلم الدروس والأخطاء في كل محطة حتى لانقع في تلك الأخطاء نفسها في المحطة التالية.
٦. روزي بشير: هل حاولتم الإتصال بحركات ومجموعات أخرى داخل المملكة؟ وهل حاولت مجموعات أو حركات خارج القطيف وداخل المملكة التنسيق معكم أو تقديم المساعدة أو المساندة؟ أم أن حركتكم حركة شيعية شرقية محضة؟
ثورة المنطقة الشرقية: هناك إتصالات محدودة مع بعض الناشطين في المناطق الأخرى بهدف تبادل خبرات معينة بين الطرفين، ولكنها لم ترتق بعد إلى مستوى التعاون الميداني. يمكن تصنيف حركتنا على أنها شيعية أو سنية أو أي تصنيف آخر من خلال معرفة أهدافنا و مطالبنا وشعاراتنا. كما ذكرنا أن قضيتنا وهدفنا هو إقامة حكومة منتخبة تمثل إرادة الشعب (كل الشعب). ونظام الحكم الإنتخابي ليس فكرة أو بدعة شيعية أو سنية. ولو تحقق ذلك، فإن كل المواطنين بمختلف فئاتهم سينعمون بالحرية والعدالة والكرامة والمساواة، كما هو حاصل الآن في دول مختلفة في العالم. وحينها تنتهي كل مشاهد الظلم الواقعة على الناس من إعتقالات تعسفية وفقر وحرمان وإهانة للكرامة ومصادرة للحرية والحقوق.
٧. روزي بشير: كيف تعتزمون تحقيق أهدافكم من دون وحدة وطنية، ومن دون دعم مجموعات مختلفة تعمل على ايجاد حكومة منتخبة؟
ثورة المنطقة الشرقية: هذا سؤال وجيه أو ملاحظة مهمة وللإجابة نقول: أولاً، نحن لا نعترف بشرعية حكومة آل سعود لأنها ببساطة شديدة غير منتخبة من الشعب. ثانياً، لا يوجد أي عمل أو نشاط سياسي ملموس في جميع المناطق باستثناء المنطقة الشرقية. ثالثاً، ليس لدينا القدرة على توحيد شعوب تلك المناطق مع بعضها البعض أولاً ومن ثم الانطلاق في عملنا السياسي. رابعاً، نحن نؤمن بأن لشعوب تلك المناطق الحرية المطلقة في تقرير مصيرهم. وبالتالي لايمكن لنا إلا التحرك في حدود دائرتنا الخاصة "بالمنطقة الشرقية." ومن ثم نسعى بقدر إستطاعتنا إلى التواصل مع المناطق الأخرى باللغة السياسية والتفاوض معهم حول طبيعة نظام الحكم الذي يجب أن يربط مناطقنا بعد إنهاء الحكم الإستبدادي. ربما نتفق على نظام فيدرالي مثلاً. وربما نتفق على الإستقلال وكل منطقة تتحول إلى دولة مستقلة، فحق تقرير المصير مكفول للجميع. المهم أننا سنقوم بتشكيل مجلس تفاوضي بهدف تحقيق الانتقال السلمي للسلطة. نحن لم نقل أننا لن نعتمد على حركات وجهات أخرى حتى ننجح، بل قلنا أنه لا يمكن للثورة أن تنجح إذا كان نجاحها مرهوناً ومشروطاً بدعم الآخرين. فدعم الآخرين من العوامل الثانوية المساعدة على النجاح وليس عاملاً رئيسياً. وهناك محاولات للتقارب مع المناطق الأخرى من خلال إقامة فعاليات تضامنية معهم في المنطقة الشرقية. وقد حصلت بعض الفعاليات مثل "جمعة نصرة الحرائر" التي كانت مخصصة للتضامن مع طالبات جامعة أبها، وكذلك "جمعة وحدة الشعب".
٨.روزي بشير: ما هي أكبر التحديات التي تواجهونها في طريق تحقيق أهدافكم؟
ثورة المنطقة الشرقية: أكبر تحدي نواجهه هو الدعم الأمريكي المقدم لآل سعود على كافة الصعد، بما في ذلك الدعم الإستخباراتي و العسكري. ومن دون "الأمريكان" لا يستطيع آل سعود فعل أي شيء ضد الشعب. التحدي الآخر هو الضعف الإعلامي لدينا، فنحن نفتقر لوسائل وكوادر إعلامية تخدم هذه القضية. كل ما تشاهدونه من إنتاج إعلامي هو من صنع شباب الحراك أنفسهم. ونحن نطمح إلى ظهور طاقات مهمتها فقط الإعلام، وتستطيع العمل من منازلهم لخدمة القضية من دون النزول للشارع مطلقاً. فلن تنجح الثورة في المنطقة الشرقية إن كان نجاحها في الأساس مرهوناً بدعم الآخرين، سواء كان هذا الآخر من منطقة أو من دولة أخرى. يجب أن تكون الثورة مدعومة من أبناء هذه المنطقة فقط لا غير من أجل نجاحها. وأما الحصول على دعم من الآخرين، فهذا من عوامل تعجيل النجاح وتسريعه. وفيما يتعلق بالتنسيق مع المناطق الأخرى، فمن المحتمل أن يحصل ذلك في وقت لاحق ويتضمن التباحث والتفاوض حول شكل النظام الإداري المناسب للربط بين هذه المناطق بعد إنهاء الحكم الاستبدادي.
٩- روزي بشير: أين تقع شكوى منظمي الاحتجاجات في المنطقة الشرقية من مشاعر وتعابير الاستياء على الصعيد الوطني؟ وهل يؤدي وصف هذه الاحتجاجات بأنها محدودة "بالمنطقة الشرقية" وبالقطيف بالتحديد إلى التقليل من بروزكم على مستوى المملكة؟
ثورة المنطقة الشرقية: كانت الإحتجاجات في المنطقة الشرقية ملهمة للمناطق الأخرى. وقد شاهدنا مؤخراً تصاعد الإحتجاجات في مناطق مختلفة على الرغم من الفتاوى الدينية التي تحرم التظاهر والتهديدات الأمنية ضد كل من يتظاهر. وذلك كله بفضل ما يحصل في المنطقة الشرقية، إذ أثبتنا لهم على أرض الواقع، وليس عبر التنظير، أن يد آل سعود قابلة للكسر إن أراد الشعب ذلك.
١٠- روزي بشير: كيف تقوم الدولة بالرد على الاحتجاجات المستمرة في المنطقة الشرقية؟ وهل تم تكثيف آليات حكم الدولة، مثل قمع الشرطة والمراقبة، في المنطقة الشرقية بالمقارنة مع مناطق أخرى في المملكة؟ وهل قامت الدولة باستحداث أشكال جديدة من القمع لمواجهة الاستياء العام؟ وأين يقع المخبرون من أشكال القمع هذه؟ وكيف تحمون أنفسكم من المخبرين؟
ثورة المنطقة الشرقية: منذ بداية الإحتجاجات، مارست الدولة الكثير من الخيارات للقضاء عليها. ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر:
١- استدعت الكثير من مشايخ المنطقة وطلبت منهم إصدار فتوى دينية تحرم المظاهرات. فكان رد المشايخ: "بأن الفتوى الدينية تصدر فقط من مراجع التقليد ونحن لسنا بمراجع." فقامت الدولة بإرسال أحد المشايخ المقربين منها إلى النجف الأشرف في نهاية مارس ٢٠١١ لإقناع بعض المراجع بإصدار هذه الفتوى، فرفضوا ذلك. وكان ردهم بأن المطالبة بالحقوق لا تحتاج إلى إذن الفقيه، وكذلك الدفاع عن النفس. استاءت الدولة من إجابة مراجع النجف الأشرف، فأرسلت وفداً إلى إيران يضم عدداً من المشايخ المقربين منها، بالإضافة إلى بعض الدبلوماسيين والسياسيين والتقوا بعدد من مراجع الدين. وكانت إجابتهم مثل تلك التي حصلوا عليها في النجف الأشرف.
٢- بعد فشل الحصول على الفتوى الدينية، طلبت الدولة من المشايخ إصدار بيان يدعو "للتهدئة" ووقف المظاهرات.
وفعلاً صدر البيان في ٢١ أبريل ٢٠١١. في بادئ الأمر، وقع عليه المشايخ المقربون منها فقط. فتم تهديد من لم يوقع بإحالته للتحقيق وإنزال العقوبة به، فوقع البعض على البيان وبرر موقفه أمام المجتمع بأنه كان من باب "التقية" حتى لا يقع عليه الضرر من الدولة. بينما البعض الآخر من الذين يصعب على الدولة تركيعهم بسهولة، فقد تلقوا عروضاً مغرية تمثلت في منح قطعة أرض داخل القطيف وتخصيص معاش شهري مغري مدى الحياة، إلا أنهم رفضوا. وبين هذا وذاك، هناك عدد قليل جداً وقع على البيان ليس خوفاً من آل سعود، وليس طمعاً في الغنيمة من وراء التوقيع، وإنما كان مبررهم إقامة الحجة على النظام في أنه سوف يُعيد الحقوق المسلوبة بعد التهدئة. ذكر الموقعون على بيان التهدئة أنهم سيتحركون لإعادة الحقوق المسلوبة التي خرجت المظاهرات من أجلها، إلا أنهم لم يلتزموا بما تعهدوا به منذ توقيعهم البيان وحتى يومنا هذا.
٣- بعد فشل خيار الفتوى الدينية وبيان التهدئة، عمدت الدولة إلى خطف وإعتقال المئات من الناس بشكل عشوائي من الشوارع ونقاط التفتيش. واشترطت لإطلاق سراحهم وقف المظاهرات، بمعنى أنها اتخذتهم "رهائن" بشكل صريح. هذا التصرف عزز عند الناس حقيقة أن هذه الدولة تحكم بغير ما أنزل الله وتعاقب إنسان بجرم إنسان آخر. وتزامن خيار الرهائن أيضاً مع محاصرة القطيف بشكل مطبق من جميع مداخلها وإقامة حواجز عسكرية في معظم الشوارع لتعطيل الناس وعرقلة حركتهم المرورية وتعريضهم إلى الإستفزاز والإهانة. فكان الطلاب والموظفون يتأخرون في الصباح عن الدوام لساعات طويلة وكذلك في عودتهم إلى منازلهم. كما أدت الحواجز العسكري إلى تأخر إسعاف المرضى. وأدى ذلك إلى وفاة سيدة في حاجز عسكري بالعوامية كانت سيارة إسعاف في صدد إسعافها وهي بحالة خطرة.
ووصلت الإستفزازات عند الحواجز العسكرية ذروتها عندما تم توقيف الشاب ناصر المحيشي مترجلاً وطلب إبراز الهوية منه. ولأنه لم يكن حاملاً لبطاقة الهوية كونه يسير في الشارع مترجلاً وليس سائقاً، فقد عمدوا إلى إستفزازه وشتمه وسبه ثم ضربه والإعتداء عليه. فلما هم بالهرب من قبضتهم الوحشية، أطلقوا عليه النار وأردوه قتيلاً على الفور. هناك شاهد عيان شاهد الواقعة بكل تفاصيلها وهو الشاب "عادل الناجي،" فتم إختطافه وإخفائه منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا خوفاً من قيامه بنشر تفاصيل هذه الجريمة. وكان خيار الرهائن وحصار القطيف أكبر عملية ضغط نفسي وعقاب جماعي شهده شعب القطيف في تاريخ نضاله ضد آل سعود. إلا أن صمود الرهائن في السجون وصبر أهالي القطيف على الحصار العسكري الظالم الذي وقع عليهم، أفشل هذه الجريمة الشيطانية.
٤- بعد فشل خيار الرهائن والحصار العسكري، قررت الدولة تشكيل مليشيا أو ما بات يعرف الآن بـ "البلطجية." وفعلاً قامت بإخراج العشرات من السجناء المحتجزين بتهم تتعلق بالمخدرات وقضايا جنائية مختلفة، ووظفتهم لصالح هذا العمل. وجعلت المدعو "منصور الجشي" رئيساً عليهم ومشرفاً على عملياتهم. وخصصت لهم رواتب أسبوعية. قامت البلطجية بتلقي أول الأوامر من منصور الجشي، فنفذوا أولى عملياتهم الهجومية ضد المتظاهرين في يوم الجمعة الموافق ١ يوليو ٢٠١١. تزامن هجوم البلطجية على المتظاهرين مع تنفيذ مؤامرة تمثلت في قيام منصور الجشي بإحضار عدد من أقارب المعتقلين برفقة البلطجية "دون علمهم"، حتى تظهر الجريمة على أن منفذها هم أقارب المعتقلين وليس "البلطجية." وأفشلت هذه المؤامرة كاميرات التصوير التي استطاعت إلتقاط صور البلطجية وإثبات أنهم من خارج المنطقة وليسوا من أبنائها.
٥- بدأت الدولة باستدعاء الكثير من المشايخ والخطباء والشخصيات ووجهت لهم أوامر بالعمل الحثيث على تشويه صورة الحراك عبر كافة المنابر ومواقعهم الإلكترونية وحث الناس على التوقف عن التظاهر.
٦- قامت الدولة بتوظيف جيش من أتباعها من خطباء وكتاب وإعلاميين وغيرهم من أجل تخويف الشيعة من السنة وتخويف السنة من الشيعة. كان دور عملائها في الوسط الشيعي هو تخويف الشيعة من السنة وكيف أن السنة سينقضون على الشيعة إذا سقط آل سعود. وكان دور عملائها في الوسط السني هو تخويف السنة من الشيعة وكيف أن الشيعة سينقضون على السنة إذا سقط آل سعود. وبالتالي دخلنا في سياسة "فرق تسد" عبر تخويف الجماعات من بعضها البعض حتى يرتمي كلهم في أحضان آل سعود.
٧- وصلت الدولة إلى مرحلة من اليأس بسبب صمود هذا الشعب وصبره وثباته. فقررت لستخدام الحسم العسكري الشامل لوقف هذه المظاهرات. ولأننا نجحنا في اختراق المراسلات بين آل سعود وعملائهم في المنطقة، فقد رصدنا مكالمة هاتفية لمحمد نايف آل سعود، حيث ذكر فيها بأن صبر الدولة على المتظاهرين بدأ ينفذ، وقد سربنا خبر هذه المكالمة في حينها. وفعلاً وبعد أيام قلائل صدرت أوامر بسحق مظاهرة مقررة في القطيف يوم الخميس الموافق ٢٩ سبتمبر ٢٠١١. وعلم شباب الحراك بهذه الأوامر، فحصل اجتماع وتقرر نقل المظاهرة إلى العوامية نظراً لأن الدولة تتجنب الدخول في أي معركة هناك. تم إعلان نقل المظاهرة إلى العوامية، فتم قمعها ولكن على إستحياء خوفاً من تداعيات الأمر. وفي يوم الأثنين الموافق ٣ أكتوبر ٢٠١١، قامت الدولة بضرب العوامية وقصفها بالرصاص الحي تنفيذاً للأوامر بسحق الإحتجاجات.
٨- بعد فشل خيار الحسم العسكري، وصلت تسريبات بأن عبد الله عبد العزيز آل سعود قام بإستدعاء الضباط والعسكريين المعاصرين لإنتفاضة المحرم عام ١٤٠٠هـ واجتمع بهم. وقد نشرنا هذا الخبر في حينه. هذا الاجتماع لم نعرف سره إلا لاحقاً بعد سقوط الشهداء، إذ أن الدولة رأت أن القضاء على المظاهرات يتمثل في القضاء على من يقف وراء تنظيم هذه المظاهرات. ولأن المنظمون ملثمون غير معروفي الهوية ولا يمكن اعتقالهم بسهولة، وبالتالي فإن الحل هو قتلهم. ولأن قتلهم قد يشعل المنطقة، لذلك تم التشاور مع من لديهم تجربة مع انتفاضة المحرم لبحث مسألة كيفية التعامل بعد إشتعال المنطقة أثناء تنفيذ عمليات الإغتيال.
فصدرت الأوامر بتنفيذ عمليات إغتيال لأي شخص يُشاهد على أنه يعمل في تنظيم المظاهرات. وفعلاً تم إحضار القناصة التي قامت بإستهداف عدد من القادة لهذا الحراك. فتم قنص من شاهدوه "مصوراً" أو متحدثاً عبر المايكروفون أو مشاركاً في تنسيق صفوف المتظاهرين، وكل من يعتقد أنه من المنظمين وقادة الحراك.
* خيار القمع العسكري كان مرافقاً لكل تلك المراحل إذ تم تفريق المظاهرات بالرصاص والهراوات والغازات المسيلة للدموع في أوقات متفرقة طوال فترة المظاهرات، لذلك لم نصنف الأمر خياراً مستقلاً من الخيارات.
* وقع آل سعود الآن في مأزق حقيقي بعد فشل خيار إغتيال القادة وتورطوا بالدماء التي سفكت.
* المنطقة الشرقية أصبحت معادلة صعبة على النظام بعد سقوط الشهداء.
* لا زالت السلطة تحاول التوسل بأي حل لإنهاء هذه الثورة وقد صرفت لأجل ذلك مبالغ طائلة، والحمد لله الكثير من المخبرين للنظام هم مخترقون من قبل شباب الحراك.
قد يأتي يوم ما ونضطر لأن "نفقأ عيناً من أعيننا" ونظهر وثائق بالصوت والصورة تكون محرجة "جداً" للنظام وعملائه في المنطقة.
١١- روزي بشير: قلل النظام من شأن الثورة في البحرين والمنطقة الشرقية من خلال اعتبارها موالية لإيران أو منفذة لخططها. ما هو ردكم على هذا؟
ثورة المنطقة الشرقية: آل سعود ينفذون خطط الولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة وهذا ليس خاف على أحد. وبالتالي عليهم الكف عن تنفيذ خطط أمريكا وإسرائيل ومن ثم التحدث عن خطط الآخرين ومنفذيها. لو كانت الثورة في المنطقة الشرقية مدعومة من إيران لوجدتم لدينا "قناة فضائية" على الأقل. ولو كنا مدعومين من إيران لأسقطنا آل سعود خلال وقت وجيز، وكذلك بالنسبة للبحرين.
١٢- روزي بشير: لو اردتم إيصال رسالة إلى مواطنين خارج القطيف، ماذا تقولون لهم؟ وللعرب والأجانب؟
ثورة المنطقة الشرقية: نقول لهم بأننا نرحب بالتعاون معكم ونقل تجربتنا في النضال ضد آل سعود إليكم. والعرب والأجانب نقول لهم أدعموا ثورتنا حتى تتخلص المنطقة من شر آل سعود.